Logo Logo

وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس اليوم السبت خطابا إلى الأمة بمناسبة الذكرى السادسة لاعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين. وفي ما يلي نص الخطاب الملكي السامي: " الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.شعبي العزيز، يكتسي احتفالنا بعيد العرش لهذه السنة، طابعاً متميزاً، لتزامنه مع الذكرى الخمسين للاستقلال.لذلك، ارتأيت أن أجعل من خطابي لك اليوم، في الذكرى السادسة لتقلدي أمانة قيادتك، وقفة جماعية، لاستلهام روح الوطنية العالية، التي بفضلها استرجع المغرب سيادته، ولترسيخ قيم المواطنة المسؤولة، باعتبارها الغاية والوسيلة للنهوض بالأوراش الكبرى، للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تعاهدنا على إنجازها، ضمن إجماع شامل حول ثوابت الأمة وخياراتها الكبرى؛ مستمدين من الالتحام الوثيق بين العرش والمغاربة، الذي شكل على الدوام، مصدر قوتنا التي لا تنضب، عدة لتشييد مغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم. وذلكم هو التحدي الأكبر، الذي ما فتئنا نعمل على رفعه، بالإصلاحات العميقة المتوالية. وكما أن لكل بناء ثابت ومرصوص دعائمه، وأن للدِّين أركانه، ولكل دولة قوية ركائزها القومية الخاصة، فإن للمواطنة الكاملة، التي ننشدها لكافة المغاربة، مرجعياتها الدينية والوطنية التاريخية، المتمثلة في الإسلام والملكية والوحدة الترابية والديمقراطية. فالإسلام السني المالكي، المعتدل والمنفتح، الذي ظلت إمارة المؤمنين ساهرة على حمايته، ونقاء عقيدته السمحة، مع ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية، قد شكل، عبر العصور، البوتقة التي انصهرت فيها كل مكونات الهوية الوطنية، الموحدة، الغنية بروافدها الحضارية المتعددة. وبقدر تمسكنا بما يميز الملكية المغربية من مشروعية دينية ودستورية، وروح شعبية، ووطنية تاريخية؛ فقد ارتقينا بها، إلى ملكية مواطنة، من خلال ما حققناه من تطور ديمقراطي، وعمل تنموي، وتحرك ميداني. ملكية فاعلة تجسد خصوصيات الهوية المغربية، في تجاوب مع الإرادة الشعبية، والمقومات الحديثة للحكامة الجيدة، وضمان الوحدة والثقة والاستقرار، اللازمة لإنجاز المشاريع الهيكلية، والاختيارات الوطنية الكبرى، بما تقتضيه من تعبئة واستمرارية، مهما كان توالي انتداب المؤسسات الدستورية.كما أن تعلقك، شعبي العزيز، أباً عن جد، بوحدتك الترابية، ليُعد جزءاً لا يتجزأ من وطنيتك العريقة، ومقوما أساسيا للمواطنة العصرية الفاعلة. وهو ما جعل من تشبثك، على الدوام، بمغربية صحرائك، قضية وجود لا مسألة حدود. وإننا لنشيد بما أبديته، في الآونة الأخيرة، من إجماع وتعبئة، وبما أبانت عنه جاليتنا الوفية المقيمة بالخارج، من غيرة وطنية صادقة، وما تحلت به مختلف السلطات العمومية، المدنية والعسكرية، الأمنية والدركية والمساعدة، من يقظة وحزم ورباطة جأش، والتزام بسيادة القانون، في مواجهة المؤامرات الفاشلة، للمس برموز سيادتك، واستفزاز شعورك الوطني". "كما ننوه بتصديك، بالتزام وإباء، ورفضك القاطع للمتاجرة السياسوية الانتهازية، والاستغلال الدنيء للأوضاع المأساوية للأسرى المغاربة، المعتقلين بالتراب الجزائري، في خرق سافر لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني.ومن منطلق التزامه الصادق بمواثيقه في شموليتها؛ فإن المغرب لن يفرط في أي واحد من مواطنيه. ولن يكف عن مطالبة المجموعة الدولية، بتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الملف، الذي لن يطوى، بكيفية حقيقية ومنصفة، إلا بالكشف عن مصير كل المفقودين، وجبر أضرار المسرحين، ورفع الحصار عن المرحلين، الذين يشكلون حالة شاذة في العالم.فهم لا يعاملون كلاجئين، سواء بمنع المندوبية الأممية السامية المختصة من الإشراف على مخيماتهم، ومن إحصائهم والتأكد من هويتهم، أو بعدم تمكينهم من حق اختيار العودة إلى وطنهم الأم المغرب، بكامل حريتهم. وبهذه المناسبة، نتوجه إلى كافة رعايانا الأوفياء، المتشبثين بمغربيتهم، والذين يعانون من الحصار الظالم، المضروب عليهم بتندوف، للعودة إلى أهلهم وذويهم. فالوطن الغفور الرحيم، الذي يفتح ذراعيه لجميع أبنائه التائبين، العائدين إلى حضنه الحليم، يوفر لهم كل شروط المواطنة الكاملة، والعيش الحر الكريم.وتأكيدا لتشبث المغرب بالشرعية الدولية، فإننا نجدد الإعراب عن استعداده الدائم للتفاوض الجاد، لإيجاد الحل السياسي التوافقي النهائي، للنزاع المفتعل حول مغربية صحرائه، والذي يحظى بدعم المنتظم الدولي، بما يخول أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، في ظل سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.وإن تمسك المغرب بهذا الموقف الواقعي والمنصف، ليقوم على استراتيجية متعددة الأبعاد. فعلاوة على تجسيده للتوجه الديمقراطي لبلادنا، فإنه يأخذ بعين الاعتبار حرصنا على تحقيق الاندماج المغاربي، على أسس سليمة ومتينة. كما أ نه يراعي أمن واستقرار ورخاء شعوب حوض المتوسط، وكذا بلدان الساحل الإفريقي الشقيقة والصديقة، وتحصين هذه المنطقة الحساسة، من الوقوع في متاهة الإرهاب والبلقنة، التي لن يستطيع أحد أن يكون بمنأى عن مخاطرها الوخيمة، وفتنها الكامنة والمتربصة.وعملا على إشراك مختلف فعاليات أقاليمنا الجنوبية، في تدبير شؤونها، قررنا إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لتمكينه من تمثيلية متوازنة، وذات مصداقية، تجعل منه قوة اقتراحية، ومؤسسة فاعلة، للنهوض بهذه الأقاليم العزيزة علينا، والدفاع عن مغربيتها.وإيمانا منا بأن الديمقراطية تعد من المقومات الأساسية، لقيام مواطنة حقيقية، فقد عملنا على تطوير مؤسساتها، وتفعيل آلياتها. ومن ثم، أقدمنا على تمكين العائلة المغربية من مدونة متقدمة ورائدة للأسرة، باعتبارها المنبت الأول، للتربية على المواطنة الصالحة.وتجسيدا لتجاوبنا الدائم مع الانشغالات الحقيقية لكل المواطنين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة أو خارجها، ومع تطلعاتهم المشروعة والمعقولة، فقد قررنا، بصفتنا ملكا-أميرا للمؤمنين، تخويل الطفل من أم مغربية حق الحصول على الجنسية المغربية". "وبذلكم نؤكد عزمنا الراسخ على تعزيز ما حققناه من تقدم رائد، بما كرسته مدونة الأسرة من حقوق والتزامات، قائمة ليس فقط على مبدإ مساواة الرجل والمرأة، ولكن بالأساس على ضمان حقوق الطفل، والحفاظ على تماسك العائلة، وصيانة هويتها الوطنية الأصيلة.وحرصا من جلالتنا على التفعيل الديمقراطي والشمولي لهذا الإصلاح، النابع من الفضيلة والعدل، وصيانة الروابط العائلية ؛ فإننا نصدر توجيهاتنا للحكومة، قصد الإسراع باستكمال مسطرة البت والمصادقة على طلبات الحصول على الجنسية المغربية، المستوفية لكافة الشروط القانونية. كما نكلفها أيضا بأن ترفع إلى نظرنا السامي اقتراحات عقلانية، لتعديل التشريع المتعلق بالجنسية، وملاءمته مع مدونة الأسرة، على ضوء تحقيق أهدافها النبيلة، المنشودة من قبل كل مكونات الأمة، وضرورة التنشئة على المواطنة المغربية المسؤولة.وإدراكا للدور الحيوي، الذي تنهض به المدرسة، في تكامل مع الأسرة، لبناء مجتمع التضامن والإنصاف وتكافؤ الفرص، الذي نعمل على ترسيخ دعائمه، وكذا تأهيل أجيالنا الصاعدة، لممارسة حقوقها، وأداء واجباتها، واندماجها في عالم المعرفة والاتصال، فقد جعلنا في صدارة الإصلاحات الشاملة والعميقة، التي نقودها، اعتماد ميثاق وطني للتربية والتكوين.وفي سياق حرصنا الموصول على التفعيل الأمثل له، لتنمية مواردنا البشرية، التي هي ثروتنا الحقيقية، سنتولى تنصيب المجلس الأعلى للتعليم، الذي وضعنا ظهيره الشريف، لينهض بدوره، كمؤسسة دستورية، للتشاور والاقتراح البناء، والتوقع، والتقييم الموضوعي، لهذا الورش الحيوي.وبموازاة مع ذلك، فإننا عازمون على تقوية الهيآت المكلفة بتأطير وتمثيل المواطنين. وفي طليعتها الأحزاب السياسية الناهضة بدورها الديمقراطي، في إيجاد نخب قادرة على التدبير الجيد للشأن العام. هدفنا الأسمى تمكين بلادنا من مؤسسات تمثيلية ذات مصداقية، منبثقة من انتخابات حرة، من شأنها إبراز مشهد سياسي معقلن، قائم على أغلبية منسجمة، متوافقة على برنامج حكومي مشترك، ومعارضة بناءة، كقطبين متنافسين ومتكاملين، في خدمة المصالح العليا للوطن والمواطنين.وبنفس الحرص، ننتظر من المنظمات النقابية والغرف المهنية، المساهمة بدورها الفعال في تحفيز المقاولات، باعتبارها شريكا في نجاحها واستمرارها. كما نشيد بالجهود السخية، التي تبذلها فعاليات المجتمع المدني، لإشاعة روح المواطنة، وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي، الموفر لشروط العيش الكريم.ولكون وسائل الإعلام، شريكا فاعلا في ترسيخ المواطنة الإيجابية، فإن غيرتنا الصادقة على حسن قيامها برسالتها النبيلة، في تنوير الرأي العام، وترسيخ البناء الديمقراطي، لا يعادلها إلا حرصنا على أن تكون ملتزمة بضوابط قانونية وأخلاقية ومهنية، مجسدة للتوفيق بين الحرية والمسؤولية، واحترام النظام العام، في نطاق سيادة القانون، وسلطة القضاء". "وفي هذا السياق، ندعو بكل إلحاح، الحكومة وكل الفاعلين في هذا المجال، إلى الإسراع بإخراج المنظومة الجديدة، الكفيلة بإصلاح وتأهيل الصحافة، للنهوض بدورها في ترسيخ المواطنة المسؤولة، مثلما ساهمت بالأمس في بلورة الروح الوطنية.كما ننتظر، في هذا الصدد، من كل الفاعلين في الحقل السياسي والإعلامي، أن تنصب جهودهم على تشكيل قوة اقتراحية، للتعبير الموضوعي والنزيه، عن الانشغالات الحقيقية للرأي العام، وتعميق وعيه وتعبئته، حول ما يتطلبه كسب معركة المغرب الأساسية. تلكم المعركة التي لايجوز اختزالها في مواسم انتخابية، ولا جعلها منطلقا لحسابات ضيقة أو وهمية.إنها بالأساس المعركة الحقيقية للنهوض بالتنمية البشرية، التي ارتأينا مشاطرتك عمق تصورنا الاستراتيجي لمساراتها الثلاثة.ذلكم أن اعتزازنا بما حققناه من تقدم، في المسار الأول، لتحديث الدولة - الوطنية، وترسيخ التشبث بهويتها الموحدة، وبرموز سيادتها، لاينبغي أن يحجب عنا كون تشييد دولة المؤسسات يمر حتما عبر الإقرار بحرمة المؤسسات نفسها، وبأن دولة الحق لا تستقيم بغير صيانة حق الدولة.وفي هذا الصدد، فإننا معتزون بما حققناه جميعا على درب بلوغ المقاصد النبيلة، للمصالحة التي أطلقنا مسلسلها الرائد، سواء مع تاريخ المغرب العريق، بإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية، التي نؤكد عزمنا الراسخ على مواصلة النهوض بها، بوصفها مكونا أصيلا للهوية المغربية الموحدة، أو مع المعاصر منه، بالمبادرة الشجاعة لإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة، التي لم تدخر جهدا فيما هو منوط بها، بالإضافة إلى إعطائنا المصالحة بعدا جغرافيا وعمقا تنمويا، بجعل المناطق المحرومة والمهمشة في صدارة اهتمامنا.بيد أن ما نريده لهذا المسلسل المقدام من طابع شمولي ومواطنة فاعلة، لن يكتمل إلا بمصالحة المغاربة مع المبادرة الذاتية والاقتصاد والإنتاج. وهو أمر متاح لنا، بفضل ما نتوفر عليه من رصيد وطني رائد، في اختيار الليبرالية واقتصاد السوق، وكذا ما أنجزته بلادنا من بنيات تحتية حيوية، كبناء السدود، وتعميم التزود بالماء الشروب، وكهربة العالم القروي. بالإضافة إلى الاستثمار الموفق لعائدات الخوصصة، من خلال صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتقدم الكبير في مجال الأخذ بالتقنيات الحديثة للإعلام والا تصال، فضلا عن الإشعاع الدولي، والمصداقية المشهود بها للمغرب عالميا.وبموازاة مع جعل السياحة قاطرة للتنمية، وقطبا للاستثمار، وجسرا للتفاعل الحضاري، ونموذجا للقطاعات، التي نتوفر فيها على استراتيجية واضحة المعالم؛ فإننا عازمون على مواصلة إنجاز البرامج الضخمة للسكن اللائق.وفي هذا الاتجاه، نلح على أن يندرج ذلك ضمن مخططات عمرانية، لجعل كل قرية ومدشر، مراكز للأنشطة الاقتصادية، المدرة لفرص الشغل والدخل القار، والارتباط بالأرض". "كما نؤكد على تفعيل دور الوكالات الحضرية، للارتقاء بمدننا إلى فضاءات للعيش الكريم، والتآلف والتساكن الإنساني، بدل أن تكون مجرد بنايات متراكمة، مفتقرة للروح الحضارية.وبمنظور شمولي، فإننا مصممون على تعميق وعقلنة الجهوية، لإقامة مناطق مندمجة ومتجانسة، جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وبنفس العزم، سنمضي قدما في تحقيق المشاريع الهيكلية الكبرى لطنجة- المتوسط، وتوسيع شبكة الطرق السيارة، وتحسين ظروف ومناخ الاستثمار المنتج. علاوة على ترسيخ ثقافة التضامن، وتعزيز دور المجتمع المدني.شعبي العزيز، مهما يكن رصيدنا الإيجابي وطموحنا الكبير، للنهوض بالمسلسل الإصلاحي والأوراش الواعدة المفتوحة فيه، فإنه يتعين علينا أن نصارح أنفسنا، وبكل شجاعة ومسؤولية، بأن المواطنة الحقيقية، ستبقى ناقصة وصورية، وهشة وغير مكتملة، ما لم يتم توطيدها بمضمون اقتصادي واجتماعي، وتدعيمها بحمولة ثقافية، وتحصينها بروح أخلاقية.ولذلكم أطلقنا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ذات العمق الاستراتيجي، والبعد الجهوي المندمج، والطابع التضامني، لمحاربة العجز الاجتماعي، والتفاوت المجالي.وإذا كنا قد شرعنا في تفعيلها، بتمكينها من الكفاءات البشرية العالية، والموارد المالية القارة، والوسائل الناجعة ؛ فإننا ننتظر من الطبقة السياسية والقوى الحية للأمة، التي نشيد بالتفافها حولها، ما هو أهم، ألا وهو الانخراط الفعلي في تجسيدها في برامج ميدانية ملموسة.بيد أنه لن يتأتى تحقيق التنمية الشاملة، إلا بتأهيل وتحديث اقتصادنا، وكسب رهانات الانخراط في الاقتصاد العالمي، والتبادل الحر، لتسريع وتيرة النمو، وتقوية التنافسية والإنتاجية، وخلق الثروات، بهدف إيجاد الشغل.وفي هذا الصدد، نجدد التأكيد على أننا نعتبر توفير فرص العمل المنتج للشباب، في صدارة انشغالنا، بالنظر لكونه استثمارا لطاقات، ما أحوج بلادنا إلى سواعدها وعقولها. وبقدر ما نوجه الحكومة، إلى أن تواصل إيلاء قضية تشغيل الشباب، أسبقية الأسبقيات، ندعو الجميع، إلى اعتبار أن معالجة هذه المعضلة، تستوجب تضافر جهودهم؛ منتظرين منهم، أن يجعلوا من المناظرة الوطنية المقبلة للتشغيل، ليس مجرد لقاء ظرفي بين فرقاء، منغلقين في مواقف ضيقة وجامدة، لا تفضي إلا إلى الطريق المسدود. وإنما ينبغي أن تشكل قطيعة مع الأساليب التقليدية التبسيطية، التي برهنت عن عدم جدواها.وبعبارة أوضح، نريدها تحولا عميقا بين شركاء متعاونين، يجمعهم الوعي بالمصير المشترك، في انفتاح على الحوار البناء، والاجتهاد الخلاق، والمبادرة الذاتية والجماعية، لابتكار الحلول الناجعة، واستكشاف الآفاق الواعدة، مع استحضار الإكراهات الموضوعية.وفي هذا السياق، فإن التشبع بالمواطنة المسؤولة، يقتضي التوعية بمحدودية الإمكانات المتوفرة، وبتزايد الحاجيات الملحة، ولا سيما إزاء ما يفرضه ارتفاع فاتورة النفط، والآفات والكوارث الطبيعية غير المتوقعة، من تحملات مادية، استثنائية ومنهكة"."ولرفع هذه التحديات، فإنه يتعين على الجميع، أن يتحمل مسؤولياته الكاملة : بدءا بالدولة التي يجب أن تنهض بدورها الاستراتيجي، في الضبط والتقنين، والتوقع والتحفيز، وترشيد النفقات، وتحرير القطاع العام، وإعادة هيكلة قطاعات الفلاحة والصناعة والخدمات. ومرورا بالقطاع الخاص، الذي يتعين عليه الانخراط القوي في أوراش التنمية، سواء بمقاولاته المواطنة، التي نشيد بجهودها. أو بتلك التي تعاني صعوبات موضوعية، والتي نؤكد ضرورة دعمها. ولاسيما الصغرى منها والمتوسطة. وانتهاء بوضع حد لاقتصاد الريع، سواء على صعيد المقاولة أو القطاع البنكي.وسيظل نجاحنا في هذه المسارات، بل وفي كل الإصلاحات، التي أطلقناها، رهينا بأخذنا بالحكامة الجيدة، باعتبارها الآلية الناجعة لتحقيق المواطنة المثلى. وفي هذا الصدد، يتعين، على وجه الخصوص، مواصلة إصلاح القضاء، بكل جدية وحزم، باعتبار العدالة المستقلة والنزيهة، عاملا أساسيا لتوفير الثقة، وسيادة القانون، اللازمين لتحفيز الاستثمار والتنمية.كما يجب الإسراع بتحديث الإدارة، بما يكفل فعاليتها، حتى تجعل من خدمة الصالح العام، ومن القرب من المواطن شغلها الشاغل. وبموازاة ذلك، نؤكد على وجوب تخليق الحياة العامة، بمحاربة كل أشكال الرشوة، ونهب ثروات البلاد والمال العام.وإننا لنعتبر أي استغلال للنفوذ والسلطة، إجراما في حق الوطن، لا يقل شناعة عن المس بحرماته. وفي هذا الشأن، نؤكد على الالتزام بروح المسؤولية والشفافية، والمراقبة والمحاسبة والتقويم، في ظل سيادة القانون، وسلطة القضاء، بما هو جدير به من استقلال ونزاهة وفعالية.وتلكم سبيلنا لتحقيق المواطنة المغربية البناءة، وتأهيلها للانخراط في منظومة القيم الكونية، ولاسيما في عالم أصبح قرية صغيرة، متميزة بتعدد الفاعلين المؤثرين في توجهاته المتسارعة والحاسمة.ولكي يكون لنا حضورنا الوازن في معتركه، فإننا مطالبون بتعزيز انتهاجنا لاستراتيجية هجومية، من خلال تفعيل الديبلوماسية الموازية، البرلمانية والحزبية، والاقتصادية والثقافية، والإعلامية والجمعوية. وذلك في نطاق خطة متكاملة ومتناسقة، قائمة على ترسيخ ما أقدمنا عليه من توسيع الدوائر الثلاث لحسن الجوار، والتضامن الفاعل، والشراكة الاستراتيجية، وتعميق ارتكازها على التعريف الموصول، بعدالة وقدسية قضية وحدتنا الترابية، ونهج التسوية السلمية للمنازعات، والاندماج الاقتصادي الإقليمي، والتفاعل المثمر مع بلدان الشمال، لإقامة نظام عالمي أوفر أمناً، وأكثر توازنا وإنصافا، وأقوى التزاما بالشرعية الدولية، وبالقيم الكونية السامية، فضلا عن توطيد تعاون جنوب-جنوب، من خلال مشاريع ملموسة، تلبي الحاجيات الملحة للسكان، الأكثر خصاصة وتضررا"."وفي هذا الصدد، فإننا إذ نؤكد موصول دعمنا الميداني والفاعل للتنمية البشرية المستدامة، للبلدان الإفريقية؛ فإننا نشيد، على وجه الخصوص، بما أبانت عنه الأطر الطبية لقواتنا المسلحة الملكية، من تفان في تجسيد تضامننا الإنساني والأخوي النبيل، مع شعوبها الشقيقة.وإذا كنا معتزين بما حققناه، من مكاسب في المسار السياسي، لترسيخ الدولة العصرية، القوية بالديمقراطية وسلطة القانون، فإنه يتعين علينا العمل على تحصينها وترسيخها. وبنفس الحرص القوي، يجب أن نضاعف الجهود، في المسار الثاني، المتعلق بإنجاز الإصلاح والأوراش الهيكلية، للارتقاء بها من مرحلة الإقلاع، إلى طور السرعة القصوى، ومن تراكم النتائج الكمية إلى جودة التقدم النوعي، لتلتحق بقاطرة القطاعات المتطورة. أما المسار الحيوي للتنمية البشرية والحكامة الجيدة المؤسسية والاقتصادية، فيقتضي منا التعبئة القوية لكسب رهاناته المصيرية. وذلك بحسن استثمار رصيدنا الوطني الغني، في الالتحام بين العرش والشعب، وطاقتنا المتجددة، المتمثلة في توجهنا الديمقراطي المتميز ؛ باعتبارهما معاً أمضى سلاح لكسب معركة النهضة الشاملة. وسنسير، بإذن الله تعالى، على درب التقدم والإصلاح، لتحقيق ما تتطلع إليه، شعبي العزيز، من سؤدد وازدهار، إسوة بأسلافنا الميامين، وفي طليعتهم جدنا ووالدنا المنعمان، صاحبا الجلالة الملك محمد الخامس، محرر المغرب، والملك الحسن الثاني، باني دولته الحديثة، خلد الله في الصالحات ذكراهما، واثقين من وعد الله الصادق، لكل العاملين المخلصين : "إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا". صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".