Logo Logo

 وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابا للقمة الثانية للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية التي بدأت أشغالها يوم الثلاثاء31 مارس بالدوحة، والتي يمثل جلالته  فيها صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد.

 وفيما يلي نص الخطاب الملكي :

 "الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

 أصحاب الجلا لة والفخامة والسمو،

معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية،

معالي السيد ممثل الرئاسة الدورية لاتحاد أمريكا الجنوبية،

أصحاب المعالي والسعادة،

 أود، في مستهل هذا الخطاب، أن أعرب لأ خي العزيز، صاحب السمو، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر الشقيقة، عن خالص الشكر والتقدير، على دعوته الكريمة لا لتئام هذه القمة، الثانية من نوعها، بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية.

 إننا نعتبر هذه القمة مرحلة جديدة، في مسار طموح يجمع بلداننا، حول بناء مستقبل أفضل، وإرساء تعاون جنوب-جنوب، من أجل تنمية، تعود بالنفع المشترك على شعوبنا، في ظل حوار وشراكة، مفعمين بقيم السلام والتضامن.

 لقد كان المغرب، باعتباره بوابة للعالم العربي على أمريكا الجنوبية، من الدول السباقة لإ قامة شراكة جادة بين المجموعتين، حيث تشرف باحتضان لقاءات هامة، قبل قمة برازيليا وبعدها.

 وقد حرصت بلادنا على إعطاء هذه الشراكة مضمونا ملموسا، بمبادرات بناءة، ترسخ جسور الحوار والتعاون، والأمن والسلم في العالم، وبخاصة في المناطق المضطربة بجهتينا.

 وفي هذا الصدد، أعرب عن خالص التقدير والإشادة بتفهم دول أمريكا الجنوبية الصديقة، للقضايا العربية العادلة ودعمها، وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني الشقيق.

 وأود التأكيد أمام هذا المحفل الموقر، بصفتي رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي; عن عزمي الوطيد على مواصلة الجهود السلمية، لدعم الحق الفلسطيني، على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية ، من أجل قيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، قابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشريف، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل.

 وفي هذا الإ طار، أدعو، من هذا المنبر الرفيع، كل القوى المدافعة عن السلام ، لمناصرة مساره، بهذه المنطقة الحساسة، لا سيما بعدما عاشت مؤخرا، عدوانا إسرائيليا سافرا على قطاع غزة، هز بعمق، كل الضمائر الإ نسانية الحية ; بما خلفه من ضحايا بالآلا ف ودمار مهول.

 أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

 إن انعقاد هذه القمة، في ظرفية مالية واقتصادية دولية عصيبة، يقتضي تضافر جهودنا، لتطوير إطارنا المؤسسي، العربي- الأ مريكي الجنوبي، قصد تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجهتين، والإرتقاء بالتبادل التجاري، من خلال الاستغلال الأمثل لإمكاناتنا، ولكل الفرص المتاحة لدينا.

 كما يتعين إيجاد آليات مشتركة، لبلورة مشاريع التعاون الشامل، بمساهمة المؤسسات الحكومية، والفعاليات الاقتصادية.

 وفي هذا السياق، وإيمانا منا بأن الهدف الأساسي من كل سياسة اقتصادية واجتماعية، هو تمكين الشعب، ولا سيما فئاته وجهاته المحرومة، من مقومات العيش الحر الكريم، والمواطنة الكاملة ; فقد حرصنا على إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في نطاق مقاربة تشاركية، تستهدف محاربة الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي، جاعلين المواطن المغربي في صلب عملية التنمية.

 وإن المغرب، بما هو معهود فيه، لمستعد لتقاسم هذه التجربة مع شركائه في هذا المضمار.

 وبموازاة ذلك، أود التأكيد على ضرورة مواصلة التشاور السياسي فيما بيننا، وفق منهجية ناجعة، متطلعين لجعل مواقفنا على المستوى الدولي، أكثر تناسقا وانسجاما.

 وتلكم سبيلنا لدعم حضورنا وتأثيرنا في القرارات الدولية، لتأخذ بعين الاعتبار، المصالح الحيوية لدول الجنوب، وضرورة إصلاح المنظومة المتعددة الأطراف، بما فيها أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها.

 كما أن من شأن تفعيل التشاور المستمر بيننا، وتبادل تجاربنا، دعم قدراتنا وآليات عملنا، لرفع التحديات والمخاطر الأمنية المشتركة، وتمتين التنسيق والتعاون بيننا، للتصدي للظواهر السلبية المتنامية، والآفات العابرة للحدود التي تعانيها بلدان المنطقتين، كالإرهاب بمختلف أشكاله، والاتجار في المخدرات، وانتشار الأسلحة الخفيفة، فضلا عن معضلة الهجرة غير الشرعية.

 أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،

 إن إستراتيجية الشراكة العربية- الجنوب أمريكية، لا يمكن أن تحقق الأهداف المنشودة، دون الاستثمار الأمثل للرصيد الثقافي المتنوع، والموروث الحضاري العريق، الذي تزخر به بلداننا، وتعتز به شعوبنا .

 والمغرب، بانفتاحه على مختلف الحضارات، وتقاسمه مع المملكة الإسبانية الجارة، التراث الأ ندلسي الأ صيل، وبحكم ما يتميز به من انتشار واسع للغة الإسبانية، وللثقافة الإيبيرية في شمال بلا دنا كما في جنوبها، مؤهل للقيام بدور طلائعي، لترسيخ جسور التواصل والتفاعل بين شعوبنا.

 وفي هذا السياق، ننوه بنوعية برامج التعاون الثقافي المدرجة في أجندة هذا المسار، وبإحداث معهد للدراسات والبحوث حول أمريكا الجنوبية بمدينة طنجة.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

إن قرارنا بإقامة هذا المنتدى الهام، منذ بضع سنوات، كان عملا مجديا وواعدا، ولاسيما في زمن العولمة الكاسحة، والتكثلات الاقتصادية الكبرى، الذي لا مكان فيه للكيانات الهشة.

 ومن هنا، فإن التئام جمعنا، يعد مكسبا هاما ; بل وحتمية تفرضها الأزمات الغذائية والطاقية والمالية غير المسبوقة.

 وإني لأشاطركم الثقة والأمل، في أن يكون هذا الملتقى الهام، آلية فعالة، لمواجهة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية السلبية ; ومنطلقا لتعزيز هذا الإطار المؤسسي، وإعطاء دينامية متجددة لشراكتنا، من أجل رفع التحديات التنموية لشعوبنا، والاستجابة لتطلعاتها، إلى التضامن والوئام والتقدم والسلام والعيش الحر الآمن، في ظل تعايش الحضارات والأديان واحترام سيادة الأوطان وكرامة الإنسان.

 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".