Logo Logo

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه أخي الموقر فخامة الرئيس زين العابدين بن علي إخواني أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أصحاب المعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة .

   أود في البداية، أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى تونس الشقيقة، مشيدا بما وفرته القيادة الحكيمة لأخي المبجل، فخامة الرئيس زين العابدين بن علي، من ضيافة كريمة، وتنظيم محكم، ومناخ أخوي لالتئام هذه القمة بعد مخاض عسير، وفي ظرفية اقليمية ودولية حاسمة، وتحولات متسارعة، مقدرين جسامة المسؤولية التي خلفتم فيها أخانا العزيز، صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين الشقيقة، الذي لم يدخر جهدا في خدمة قضايا أمتنا.

   إن هذه الظروف الدقيقة تجعل شعوبنا تسائلنا، هل سنجعل من هذه القمة لحظة تاريخية للمكاشفة الذاتية، وهل تشكل فرصة سانحة لاثبات قدراتنا على رفع التحديات الإقليمية والعالمية، مع التشبث بهويتنا الأصيلة، وهل سنرقى إلى مستوى التفاعل الايجابي مع هذا المنعطف الحاسم وفي موعد مع التاريخ.

   إن كسب هذا الرهان يقتضي قيامنا بأنفسنا، وفي تضامن عربي، ومساندة دولية صادقة لجهودنا، باصلاح الأوضاع العربية، باعتباره نهجا قويما، تمليه مرجعيتنا الاسلامية، التي تعد أحد الروافد الأساسية للمرجعية الكونية، الرائدة في تكريسها للكرامة والمساواة بين الناس ، واعتبار طلب العلم فريضة، وتلازم الحرية بالمسؤولية والعدل والشورى والتضامن والانفتاح والتسامح والاجتهاد.

   إن هذا الاصلاح بقدر ما هو مطلب منشود، اليوم، وسنة اسلامية حميدة، فهو ليس نموذجا نمطيا جاهزا وانما هو تفاعل تلقائي ومسار شاق وطويل وبناء تدريجي وارادي متواصل لا حد لكماله.

   ومن هذا المنطلق، فان مختلف المبادرات الدولية التي تهم المنطقة العربية والاسلامية يجب التعامل معها بعقلانية وتبصر وانفتاح وبروح بناءة، ما دامت القيم الكونية التي تدعو اليها تعد من صميم مرجعيتنا الاسلامية، مؤكدين، بالحوار البناء، أن لنا مشروعنا العربي الاصلاحي التحديثي النابع من ارادتنا في نطاق احترام خصوصيات كل شعب وهويته الوطنية، وعدم التدخل أو المساس بحقه في سلوك سبيل الاصلاح وفق ارادته وسيادته وبالايقاع الذي يناسبه، وبذلكم نساهم بنصيبنا في بناء نظام عالمي جديد أكثر انسانية وتضامنا وانصافا، ملتزمين بوحدة الصف والتكامل لتقوية كياننا وضمان تفاعلنا الايجابي مع العولمة .

   ولن يتأتى لنا ذلك إلا بتغيير آليات عمل جامعة الدول العربية المتجاوزة. وبقدر ما كان جدي ووالدي جلالة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، أكرم الله مثواهما، من رواد الدعوة إلى تعديل ميثاق الجامعة العربية فان مستجدات الواقع القومي والدولي ورفع تحديات التنمية الشاملة، تجعلنا أكثر إلحاحا على وجوب تحديث أجهزة وأليات العمل العربي المشترك، إسوة بالتكتلات الجهوية المتطورة كالاتحاد الاوربي، التي جعلت من الاندماج الاقتصادي المدخل الصحيح لتحقيق الوحدة والتكامل بين أعضائها.

   وهو ما ينطبق على التجمعات الدولية الأخرى، بما فيها افريقيا التي أقرت المبادرة الواعدة للنيباد. ولبلوغ ذلك، علينا أن نبادر إلى تصفية المناخ العربي من كل الخلافات والقضاء على كل بؤر التوتر وخلق أجواء التآخي الفعلي باندماج اقتصادي عربي تدريجي مرتكز على اقامة تجمعات جهوية مثل الاتحاد المغاربي رغم عوائقه الظرفية ومجلس التعاون الخليجي بمساره المتميز ومناطق للتبادل الحر على شاكلة اتفاق أكادير الواعد ومعتمد لمنهجية التشارك بين السلطات الحكومية والمجالس المنتخبة والقطاع الخاص وهيآت المجتمع المدني في انفتاح على جميع شركاء المنطقة.

  وان حرصنا لأكيد على تفعيل مسلسل برشلونة باعتباره اطارا واقعيا وملائما لشراكة منسجمة مع محيطنا في مرونة وتكامل وانفتاح على ما يقتضيه التطور، من اقامة آليات جديدة لتنويع شراكتنا وتوسيعها.

   واذا كانت الأجيال السابقة قد وضعت الركائز التاريخية للأمة، على وحدة العقيدة واللغة والثقافة، فإننا مطالبون اليوم باعطاء هذه الوحدة دعامتها العصرية المتمثلة في الاندماج الاقتصادي الذي لا مصير مشترك لأمتنا بدونه.

   وتلكم هي السبيل التي سلكتها المملكة المغربية، لاقامة صرح دولة عصرية للحق والقانون والمؤسسات والتعزيز المتواصل لما تحقق من مكاسب ديمقراطية وترسيخ ثقافة وممارسة حقوق الانسان وقيم المواطنة المسؤولة باصلاح وتحديث منظومة برامج ومناهج التربية والتكوين والنهوض بأوضاع المرأة وادماجها في كل مناحي الحياة العامة في نطاق الاسرة المتماسكة.

   واننا لعازمون على تحقيق المزيد من المكاسب الديمقراطية والقيام بالاصلاحات اللازمة لتدارك الخصاص في كل مجالات التنمية البشرية وسد العجز الاجتماعي بالتضامن والاسراع بتحرير الاقتصاد وتحديثه وتأهيله، للانخراط في الاقتصاد العالمي.

   أصحاب الجلالة والفخامة والسمو إن أي مبادرة ايجابية تستهدف تطوير البنيات العربية، لا بد أن تمر أساسا عبر العمل على إنهاء احتلال الأراضي العربية واستعمار الشعب الفلسطيني، المتعارضين مع الديمقراطية .

   ولأننا معنيون بالسلام أكثر من غيرنا، فان علينا تفعيل واستعادة المبادرة العربية ضمن توجهات قمة بيروت، وذلك بعد أن تعثرت كل الجهود وانتكست كل المبادرات عاملين على انتهاج السبل الممكنة لاستعادة الحقوق العربية المشروعة ومواصلة جهودنا من أجل تحقيق السلام العادل والشامل والدائم وفقا لمقررات الشرعية الدولية ومبدإ الأرض مقابل السلام، وعبر التحام الصف الفلسطيني وتقويته. كما نجدد، في هذا الصدد، دعوتنا لكل القوى الدولية الفاعلة كي تولي القضية الفلسطينية كامل الاهتمام، بتفعيل خارطة الطريق ودعم مبادرات ذوي النيات الحسنة باذلة المزيد من المساعي الحميدة لوقف دوامة العنف وتهييء الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات، مؤكدين بصفتنا رئيسا للجنة القدس أننا لن نذخر جهدا في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تعيش جنبا إلىجنب مع دولة اسرائيل في وفاق وسلام.

   ولا يفوتنا أن نعبر عن انشغالنا بأوضاع الشعب العراقي الشقيق وتطلعنا لمواصلته للمسار الذي انطلق فيه لتدبير شؤونه بنفسه وبناء مؤسساته الوطنية الديمقراطية الضامنة لسيادته ووحدته الوطنية والترابية، وبما يكفل له ولكل شعوب المنطقة تحقيق التقدم والازدهار في ظل الحرية والامن والاستقرار.

   وان خير ما يمكن أن توجهه قمتنا هذه لشعوبنا وللعالم، هو تأكيد اختياراتنا الأساسية برسائل قوية مفادها أننا سباقون للاصلاح الذاتي، معاهدين الله على احترام المسار الخاص لكل شعب والحوار مع الغير في نطاق التفاعل البناء بين المرجعية الاسلامية والكونية والتمسك بالأمن الشامل في أبعاده الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والانسانية، الذي يكفل لكل الشعوب سيادتها ووحدتها الوطنية والترابية، واعتماد استراتيجية عملية لبناء عهد جديد في علاقاتنا، ومع محيطنا الدولي، ولتأهيل أجيالنا الصاعدة للانخراط في الحداثة، بالاندماج في المبادىء السامية المتعارف عليها عالميا، وعاملين على مكافحة التخلف والتطرف والارهاب. وفي هذا السياق، نؤكد أن استهداف الارهاب بكل أشكاله لنهجنا الاصلاحي الشامل ،لايعادله الا ادانتنا الشديدة له وعملنا الدؤوب على التنسيق الاستراتيجي مع جيراننا وشركائنا والمجتمع الدولي سواء لمحاربة عصاباته وشبكاته العدوانية، أو للقضاء الجذري عليه، عبر تحصين الدولة والمجتمع بالديمقراطية والتنمية والتربية السليمة والإعلام الحر المسؤول وترسيخ روح المواطنة العصرية القائمة على قبول الاختلاف والتحلي بالتسامح والانفتاح على الاخر، وذلكم هو النهج القويم لرفع تحديات عصرنا، رائدنا في ذلك الاصلاح ما استطعنا. وما توفيقنا إلا بالله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".