صاحب الجلالة یوجه خطابا للأمة بمناسبة عید العرش
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآلھ وصحبھ.شعبي العزیز،إن احتفالك الیوم بھذا العید الوطني المجید، لھو أكثر من تخلید لذكرى تربع عاھل على العرش ; لأنھ بالأحرى تجدید للعھد المقدس الخالد للبیعة، وللمیثاق الدستوري المتجدد، اللذین یطوقان ملكك أمیر المؤمنین، حامي حمى الملة والدین، بأمانة ضمان سیادتك، ووحدتك الوطنیة والترابیة، واستمرار دولتك ودوامھا، وینیطان بھ مسؤولیة قیادتك ووضع الاختیارات الكبرى للأمة، في إطار ملكیة دستوریة دیمقراطیة واجتماعیة.لقد كان عرش المغرب على الدوام أكثر من رمز للسیادة، لأنھ ظل ولا یزال قیادة وطنیة مسؤولة واعیة لأمانتھا العظمى، ضمنملكیة شعبیة، العرش فیھا بالشعب، والشعب بالعرش. لذلك فإن الاحتفاء بھ لیعد وقفة سنویة للتأمل والتدبر، لا للتساؤل عمن نحن ?وماذا نرید ? فالمغرب دولة عریقة في حضارتھا، متشبثة بھویتھا ومقدساتھا، دائمة الانفتاح على مستجدات عصرھا، موحدة وراءعاھلھا، رفیقة للتاریخ، تعرف من أین أتت، وإلى أین تسیر.ونحن البلد الذي قاوم فیھ العرش الاستعمار، والإغراء الجارف للحزب الوحید، والإقتصاد الموجھ واستنساخ النماذج الأجنبیة، لتمكینالمغرب من مشروع مجتمعي دیمقراطي أصیل، جعل منھ البلد المتمیز بتحقیق المزاوجة الخلاقة بین الوفاء لتقالیده العریقة وبناءالدولة العصریة بقیادة الملك أمیر المؤمنین، وبمؤسسات دیمقراطیة في إطار منظم ومعقلن، یرسم لكل فاعل حقوقھ وحدودمسؤولیاتھ، ضمن منظور یعتبر أن الدیمقراطیة الحقیقیة ترتكز على بعد تتنموي قائم على حریة المبادرة الخاصة، المتشبعة بروحالتكافل الاجتماعي.وإذا كان من حقنا أن نفخر بالریادة في التوفر على ھذا المشروع المجتمعي الدیمقراطي الواضح المعالم، الذي تحققت للمغرب بفضلھا عدة مكتسبات ; فإن ذلك لا یعني أننا لم تعترضنا عوائق، أو تعتري مسیرتنا أوجھ قصور وتعثرات، ولا یعفینا من التساؤل : ألم یكنبإمكاننا السیر بسرعة أكبر ? أو یكن أداؤنا أحسن وأجود ?.فلنجعل من المكاشفة والحوار بیننا جمیعا، في ھذا العید، مناسبة لدعوة كل مغربي ومغربیة للاعتزاز بالجوانب المشرقة في ھذاالمشروع المجتمعي، مستحضرین مؤھلاتنا لتقویتھا، ومستشعرین محدودیة إمكاناتنا وما اعترى مسیرتنا من سلبیات، لا لزرع روح السلبیة وتعتیم الأفق، بل لشحذ العزائم، ورص الصفوف، واستكشاف الحلول والموارد، لاستكمال بناء ھذا المشروع المجتمعيالدیمقراطي، الذي عاھدناك، منذ اعتلائنا عرش أسلافنا المیامین، على التفاني من أجل ترسیخھ، والعمل الدؤوب على تجسیده الأمثل في جمیع المجالاتشعبي العزیز،لقد بادرنا خلال السنة الماضیة إلى ترسیخ ما تحقق لبلادنا من مكتسبات في مجال الدیمقراطیة السیاسیة معتزمین مواصلة ھذا النھج في تعزیز الحریات العامة وحقوق الانسان وفصل السلط واستقلالھا وتوازنھا،وكذا توطید المؤسسات التمثیلیة، واللامركزیةوالجھویة.وفي سیاق انتھاء انتداب المؤسسات المنتخبة، الوطنیة والمحلیة ; فإننا نؤكد أن من متطلبات توطید ما تنعم بھ بلادنا من استقرارسیاسي واستمراریة مؤسسیة، والارتقاء بمستوى النضج الذي بلغھ بناء الصرح الدیمقراطي الوطني، إجراء الانتخابات في أوانھاالدستوري والقانوني العادي. وعندما نقول بإجاراء الانتخابات في أوانھا العادي، فإننا لا نعني بذلك عملیة التصویت فقط ; بل نعنيكل مراحل المسلسل الانتخابي التي یجب أن تتم في إبانھا، وفي مقدمتھا الحملة الانتخابیة التي یتعین أن تنطلق في مواعدھا القانونیة.وبصفتنا ضامنا للمصالح العلیا للوطن والمواطنین، فإننا ننبھ إلى ضرورة عدم الزج بالبلاد في حملة انتخابویة ضیقة. كما نؤكدوجوب عدم الخلط بین الحملة الانتخابیة التي لھا موعدھا القانوني المحدد، والحملة الانتخابویة السیاسویة، التي تشیع البلبلة وتسمم الأجواء السیاسیة، وتصرف الناس عن المشاكل الحقیقیة للبلاد، شاغلة إیاھم بمزایدات ومشاكل جانبیة ; بحیث أن جزءا كبیرا منمشاكل المغرب الحالیة إنما نجم عن ھذه الفتنة الانتخابیة.وإننا لنھیب بالطبقة السیاسیة أن تجعل من الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات لحظات تعبئة وطنیة قویة، وتنافس شریف في إعدادبرامج ملموسة، واقعیة قابلة للإنجاز ومرتكزة حول نواة صلبة للأسبقیات الأولى بدل جعل كل شيء أولویا، برامج تركز بالأساسعلى كیفیة خلق الثروة وإیجاد الموارد الكفیلة بتجسید مشروعنا المجتمعي، بدل الطروحات المغلوطة الداعیة إلى توزیع تلك الثروةقبل إیجادھا مشددین على وجوب مضاعفة الجھود من أجل تفعیل الاصلاحات الھیكلیة العمیقة التي تتسامى على المنظور السیاسوي الظرفي الضیق.وبنفس الحرص ننبھ إلى أن الانتخابات وأنماط الإقتراع لیست غایة في حد ذاتھا; وإنما ھي وسلیة دیمقراطیة لإفراز نخبة منرجالات الدولة، وأغلبیة منسجمة، نابعة من انتخابات تنافسیة نزیھة، معبرة بكل صدق وشفافیة عن خیارات الناخبین والرأي العام،وملائمة لواقع مشھدنا السیاسي والحزبي.وإننا لننبھ كذلك إلى أنھ إذا كان یجب على الحكومة والسلطات العمومیة تحمل مسؤولیتھا الكاملة في اقتراح واتخاذ كل التدابیرالتشریعیة والتنظیمیة الكفیلة بإلزام الجھاز الإداري باحترام قدسیة الاقتراع، تحت المراقبة الیقظة والفعالة والمستقلة للقضاء بمختلف أصنافھا ودرجاتھا ; فإنھ یتعین على الفاعلین في المسلسل الانتخابي، من أفراد وھیئات حزبیة أو نقابیة أو مھنیة، التحلي بفضائلالسلوك المواطن ; لأنھ لا تنقصنا التشریعات الدیمقراطیة بقدر ما ینقصنا التشبع بالدیمقراطیة والالتزام بھا ثقافة وسلوكا.وإیمانا من جلالتنا بفضائل الدیمقراطیة المحلیة; فقد سھرنا على تمتین دمقرطة مدونة الجماعات المحلیة وعصرنتھا وعقلنتھا;لتتحول جماعاتنا المحلیة إلى رافعة قویة للتنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة، مولین عنایة قصوى في ھذا المجال للجھة والجھویة، التي نعتبرھا خیارا استراتیجیا، ولیس مجرد بناء إداري، وننظر إلیھا على أنھا صرح دیمقراطي أساسي لتحقیق التنمیة الاقتصادیةوالاجتماعیة، وانبثاق إدارة لا ممركزة للقرب مسیرة من قبل نخب جھویة، وكذا تفتق الخصوصیات الثقافیة، التي یشكل تنوعھامصدر غنى للأمة المغربیة.وإیمانا من جلالتنا بأن الدیمقراطیة لیست مجرد تجسید للمساواة في ظل دولة الحق والقانون الوطنیة الموحدة، وإنما لا بد لھا أیضا من عمق ثقافي یتمثل في احترام تنوع الخصوصیات الثقافیة الجھویة، وإعطائھا الفضاء الملائم للاستمرار والإبداع والتنوع الذيینسج الوحدة الوطنیة المتناسقة ; فإننا نعتبر عید العرش المجید، الذي یجسد وحدة شعبنا، وصلة ماضینا بحاضرنا، والذي یحثنا على التفكیر في غد أفضل لأمتنا خیر مناسبة لمكاشفتك، شعبي العزیز، بمسألة حیویة تھمنا جمیعا، ألا وھي قضیة الھویة الوطنیة،المتمیزة بالتنوع والتعددیة، مثلما ھي متمیزة بالالتحام والوحدة والتفرد عبر التاریخ.أما التعددیة، فلإنھا بنیت على روافد متنوعة، أمازیغیة و عربیة، وصحراویة إفریقیة وأندلسیة، ساھمت كلھا وبانفتاح وتفاعل معثقافات وحضارات متنوعة في صقل ھویتنا وإغنائھا. وأما الالتحام، فقد تحقق لھا بفضل الأخوة في العقیدة الاسلامیة التي شكلتالعروة الوثقى لأمتنا. وقد تمكنت ھویتنا من تجسید الوحدة والاندماج والتمازج ضمن أمة موحدة، لم تعرف أغلبیة أو أقلیة لأنمواطنیھا یتقاسمون جمیعا التشبث بثوابتھا، وذلك بفضل دیمومة نظامنا الملكي منذ ثلاثة عشر قرنا، الذي أولى ھویتنا، في وحدتھا وتنوعھا، رعایة مستمرة ; جعلتھا تنفرد، عبر تطور تاریخنا الوطني بخصوصیات لا نظیر لھا.ولقد حرص والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، على أن یتقاسم معك، شعبي العزیز، في خطابھ الموجھ للأمة یوم 20 غشت 1994 بمناسبة تخلید ذكرى ثورة الملك والشعب، نظرتھ الثاقبة لمسألة اللغة والھویة المغربیة حیث قال رضوان اللهعلیھا: "...فتاریخنا تاریخ صنعناه بأنفسنا لأننا شعب تاریخي. فتاریخنا لم یكن أساسھ ركنا واحدا بل أركانا متعددة. وتلك الأركان كانتوطیدة وسلیمة لأنھا كانت متنوعة وصاحبة عبقریة وأصالة..."; مشددا قدس الله روحھ، على أنھا "... یجب ونحن نفكر في التعلیم وبرامج التعلیم أن ندخل تعلیم اللھجات علما منا أن تلك اللھجات قد شاركت اللغة الأم ألا و ھي لغة الضاد ولغة كتاب الله سبحانھ وتعالى ولغة القرآن الكریم في فعل تاریخنا وأمجادنا...".ومنذ ذلك الحین، بذلت جھود وطنیة ھامة، وتعاقبت لجان للإصلاح توجت بمصادقتنا على المیثاق الوطني للتربیة والتكوین، الذيأجمعت علیھ مكونات الأمة، من سیاسیة ونقابیة واقتصادیة وعلمیة وجمعویة، في إطار اللجنة الخاصة بالتربیة والتكوین .ولقد رسم ھذا المیثاق الإطار العام لسیاسة لغویة واضحة تقوم على جعل اللغة العربیة، باعتبارھا اللغة الرسمیة لبلادنا ولغة القرآن الكریم، اللغة الأساس للتدریس في جمیع الأسلاك التعلیمیة، وعلى الرفع من القدرة على التحكم الجید في استعمال اللغات الأجنبیة، وعلى إدراج الأمازیغیة لأول مرة بالنسبة لتاریخ بلادنا في المنظومة التربویة الوطنیة وفي الوقت الذي نقوم فیھ بإصلاحات حاسمة في عدة میادین حیویة كبرى، مسلحین في ذلك بإرادة صلبة، واثقین في حكمة وشجاعة شعبنا، مشمولین بالعنایة الربانیة التي تبارك كل المقاصد النبیلة المستلھمة من الفضیلة ; وحرصا منا على تقویة دعائم ھویتنا العریقة ; واعتبارا منا لضرورة إعطاء دفعة جدیدة لثقافتنا الأمازیغیة، التي تشكل ثروة وطنیة، لتمكینھا من وسائل المحافظة علیھا والنھوضبھا وتنمیتھا ; فقد قررنا أن نحدث، بجانب جلالتنا الشریفة، وفي ظل رعایتنا السامیة، معھدا ملكیا للثقافة الأمازیغیة، نضع علىعاتقھ، علاوة على النھوض بالثقافة الأمازیغیة، الاضطلاع بجانب القطاعات الوزاریة المعنیة بمھام صیاغة وإعداد ومتابعة عملیةإدماج الأمازیغیة في نظام التعلیم.كما أننا سنعھد لھذه المؤسسة، التي سنسھر على إعداد الظھیر الشریف المحدث لھا وتنصیبھا قریبا، بالقیام بمھام اقتراح السیاسات الملائمة التي من شأنھا تعزیز مكانة الأمازیغیة في الفضاء الاجتماعي والثقافي والاعلامي الوطني، وفي الشأن المحلي والجھوي ;مجسدین بذلك البعد الثقافي للمفھوم الجدید للسلطة، الذي نحرص على إرسائھ وتفعیلھ باستمرار، حتى تتمكن كل جھات المملكة من تدبیر شؤونھا في إطار الدیمقراطیة المحلیة التي نحن على ترسیخھا عاملون ; وفي نطاق وحدة الأمة التي نحن علیھا مؤتمنون.شعبي العزیز،لقد سبق لنا أن أكدنا، بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانیة الأخیرة على إعادة الاعتبار للعمل السیاسي والحزبي النبیل، وتعزیز دورالأحزاب السیاسیة باعتبارھا المدرسة الحقیقیة للدیمقراطیة. وبوصف ھذه الأحزاب ھیئات أناط بھا الدستور تأطیر وتمثیل المواطنین; فإننا، على غرار توفر الجماعات المحلیة والغرف المھنیة والنقابات على تشریعات خاصة بھا تضبط ممارستھا لھذه المھمةالدستوریة، أصدرنا توجیھاتنا السامیة لحكومتنا لوضع تشریع خاص بالأحزاب السیاسیة یمیزھا عن الجمعیات، الھدف منھ العقلنةوالدمقرطة وإضفاء الشفافیة على تشكیلھا وتسییرھا وتمویلھا، وتفادي تحول منع الدستور للحزب الوحید إلى وجود أحزاب وحیدة في الواقع، أو الوقوع في خطأ قیاس المجتمع الدیمقراطي بعدد أحزابھ المتفرقة الضعیفة، المعبرة عن مطامح ضیقة فئویة شخصیة ; بدل أن یقاس بالنوعیة الجیدة لأحزابھ، وبمدى قدرتھا الوطنیة على التأطیر المیداني للمواطنین، والتعبیر عن تطلعاتھم.أما حقوق الإنسان، فقد حرصنا على توسیع فضاءاتھا، باتخاذ عدد من المبادرات والتدابیر، نذكر منھا، على وجھ الخصوص،مشروع مراجعة مدونة الحریات العامة، التي ندعو الحكومة والبرلمان إلى الإسراع بإقرارھا، والانكباب على إحداث جھاز خاصیسھر على التطیق السلیم لقانون وأخلاقیات المھنة النبیلة للاعلام والاتصال، في حرص تام على حریاتھما وتعددیتھما، وعلىالتوازن بین الحریات الفردیة والجماعیة، وبینھا وبین الحفاظ على النظام العام الذي یعد خیر ضمان لممارسة ھذه الحریات.وإن عملنا الدؤوب من أجل توسیع فضاء الحریات وضمان ممارستھا بإحداث أو بتجدید المؤسسات التي ننیط بھا ھذه المھمة، مثلالمجلس الاستشاري لحقوق الانسان والجھاز المكلف بتنمیة التواصل بین الإدارة والمواطن، اللذین سنتولى تنصیبھما قریبا،والمراجعة المتقدمة لقانون المسطرة الجنائیة ; لا یوازیھ إلا تشدیدنا على أن یكون استكمال بناء الدولة الدیمقراطیة العصریة، قائمة على الحریات العامة وحقوق الانسان، مستھدفا بناء الدولة القویة، القادرة على فرض احترام القانون من قبل الجمیع، ومنع الاستفراد بالرأي باسم الممارسة الدیمقراطیةوتكریسا لمساواة المغاربة أمام القانون، فقد سھرنا على وضع مشروع القانون التنظیمي للمحكمة العلیا، وإعداد مشروع قانون خاص بتفعیل مسطرة رفع الحصانة البرلمانیة، فضلا عن تسریع إصلاح القضاء الذي یظل شرطا ضروریا لسیادة القانون ومحفزا قویاعلى الاستثمار، بما یشیعھ ترسیخ نزاھتھ من ثقة واستقرار.ولأن ممارسة الشأن العام لا تقتصر على المنتخبین، بل تشمل الجھاز الإداري الذي یجب أن یكون في خدمة المواطن والتنمیة; فإننا نلح على ضرورة إجراء إصلاح إداري عمیق، وفق منھجیة متدرجة، متأنیة ومتواصلة، تتوخى تبسیط المساطر، وجعلھا شفافة،سریعة، مجدیة، ومحفزة على الاستثمار.وسعیا وراء الحفاظ على ثقافة المرفق العام وأخلاقیاتھ، من قبل نخبة إداریة متشبعة بقیم الكفایة والنزاھة والاستحقاق والتفاني في خدمة الشأن العام وفي مأمن من كل أشكال الضغوطات وشبكات المحسوبیة والمنسوبیة، والارتشاء واستغلال النفوذ ; فلن نقبلاستغلال أي مركز سیاسي أو موقع إداري من أجل الحصول على مصلحة شخصیة أو فئویة ; منتظرین من السلطات العمومیة أنتكون صارمة في ھذا المجال، وأن تلجأ علاوة على ما تتوفر علیھ من وسائل للمراقبة الإداریة والقضائیة إلى اعتماد أدواة وأجھزةجدیدة لتقویم السیاسات العمومیة، فضلا عن إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني والمنتخبین في إعداد المشاریع وتنفیذھا.تلك، شعبي العزیز، أمانة عرشك ومسؤولیة الجالس علیھ، كقائد راع لمشروعك الحداثي الدیمقراطي، وفي لھویتك، ضامن لما یتطلبھا العصر من وجود حكم قوي یضمن استمرار الدولة، ویصون الحقوق والحریات، ویبلور تطلعاتك، واختیاراتك الكبرى. وكذلك ھوصرحك المؤسساتي، عتید في أركانھ، كامل في روحھ، قابل للتحسین والتجدید في ھندستھ، على ضوء النتائج المستخلصة من سیر مؤسساتھ، والحاجة لعصرنة ھیاكلھ وعقلنتھا، وفي أفق الحل النھائي لقضیتنا الوطنیة.ومن منطلق إئتماننا على سیادة المملكة ووحدة ترابھا، فقد بادرنا إلى الاستجابة لقرارات مجلس الأمن ومساعي ومقتراحات الأمین العام للأمم المتحدة وممثلھ الشخصي، ومباشرة حوار جاد معھما لإیجاد حل سیاسي للنزاع المفتعل حول مغربیة صحرائنا، في نطاق أرحب معاني الجھویة والدیمقراطیة وأمتن ثوابت الإجماع والسیادة والوحدة الوطنیة والترابیة للمغرب موءمنین بعدالة قضیتناجاعلین تنمیة الأقالیم الجنوبیة في مقدمة اھتماماتنا مصدرین تعلیماتنا السامیة لحكومتنا قصد اتخاذ كل التدابیر الكفیلة بتأمین العیش الكریم لجمیع رعایانا الأوفیاء في أقالیمنا الجنوبیة سواء منھم المرابطون بھا أو العائدون إلى حضن الوطن الغفور الرحیم.وبنفس الحزم والعزم نھضنا بالأمانة الملقاة على عاتقنا بوصفنا أمیرا للموءمنین، وحامیا لحمى الملة والدین، فجددنا لبیوت الله أداء وظیفتھا في محاربة الأمیة الدینیة والفكریة، كما أعدنا ھیكلة المجلس الأعلى والمجالس الجھویة للعلماء للنھوض بدورھا كاملا في مجال العبادات والمعاملات ، بعیدا عن أي تحجر أو تطرف ; حریصین على أن نجعل من المقاصد العلیا لشریعتنا الاسلامیةالسمحة، ومن قیامھا على الاجتھاد والانصاف ومن الانسجام مع الاتفاقیات الدولیة المصادق علیھا من قبل المملكة، أساس النھوض بوضعیة المرأة من خلال تنصیبنا للجنة استشاریة خاصة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصیة، استجابة منا لملتمس كافة الجمعیاتالنسویة المغربیةشعبي العزیز،إن مشروعنا المجتمعي في شقھ الاقتصادي قد اتسم بالریادة عندما أخذ باقتصاد السوق. وقد كان بإمكانھ أن یحقق لنا ازدھارا أكبر لولا ما تطلب التوافق على أسسھ من صبر ومكابدة وإقناع، و ما اعترض مسیرتھ من عوائق موضوعیة وذاتیة، قدنا معركة إزاحتھابتشجیع المقاولة المغربیة على القطیعة النھائیة مع النزعة الریعیة والانتظاریة، المناقضة لروح المبادرة، وبالعمل على جعلالسلطات العامة في خدمة الاستثمار، بتحسین مناخھ وإنشاء شبابیك جھویة موحدة، وخفض تكلفة الانتاج الطاقیة والجبائیة ; مولین عنایة خاصة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، التي زودناھا بمیثاق من شأنھ تفعیل دورھا كقطب رحى لكسب معركة تشغیل الشباب، وتمكینھا من تدبیر عصري لملفاتھا الاستثماریة بتمویل مضمون. وحرصا منا على جعل صندوق الحسن الثاني للتنمیة الاقتصادیةوالاجتماعیة، رافعة قویة للاستثمار المنتج، وأداة فعالة لتنمیة الثروة الاقتصادیة الوطنیة ; فقد قررنا أن نخول ھذا الصندوق نظاموكالة وطنیة، كما قررنا أن نرصد لھذه الوكالة قسطا مھما من عائدات خوصصة وفتح رأسمال الموءسسات العمومیة، التي تشكلملكا للأمة، لتنمیة ھذا الرصید الاقتصادي الوطني، و حسن استثماره لخلق مزید من الثروات، بدل صرفھ في الاستھلاك. و في ھذاالسیاق كان حرصنا على تصدي صندوق الحسن الثاني لأھم معیقات الاستثمار المتمثلة في ارتفاع كلفة الأراضي وانعدام أو قلةالأماكن المجھزة، و ذلك بتھیيء مناطق ومحلات صناعیة وسیاحیة وتجاریة، وتفویتھا للمستثمرین بأثمنة مناسبة، وتمویل مشاریعتحفیزیة للاستثمار الخاص، وإنعاش قطاعات البناء، ودعم السكن الاجتماعي، والطرق السیارة، والمنشآت العامة، ومؤسساتالسلفات الصغرى، وتكنولوجیات الاتصال والاعلام.وإذا كان تزامن الجفاف مع ظرفیة دولیة صعبة، متسمة بارتفاع أثمان البترول وتقلبات أسعار العملة الصعبة، قد حال دون تحقیق كلالنتائج المتوخاة من الاقلاع الاقتصادي ; فإننا قد حققنا نتائج مشجعة في القطاعات الواعدة للاقتصاد الجدید لتكنولوجیات الاعلاموالاتصال، وكذلك الصناعة التقلیدیة والصید البحري والتصدیر، والسیاحة.وقد أولینا عنایة خاصة لكسب رھان جعل قطاع السیاحة قاطرة قویة للتنمیة، لما یدره من فرص شغل وعملة صعبة، و ما یتیحھ منانفتاح على الحداثة، باعتباره نشاطا اقتصادیا وثقافة وفنا للتواصل مع الغیر. كما عملنا على توضیح الرؤیة الاستراتیجیة في المجالالسیاحي بالاتفاق الإطار الموقع بین الحكومة والمنعشین السیاحیین، الذي یھدف إلى استقبال ما لا یقل عن عشرة ملایین سائح سنویا في نھایة العقد الحالي ; مھیبین بجمیع الفاعلین في ھذا القطاع الحیوي لمضاعفة الجھود من أجل رفع ھذا التحدي ; داعین الحكومة والبرلمان إلى تعزیز الارتفاع المھم المسجل في عدد السیاح والمداخیل والاستثمارات السیاحیة بالتعجیل بإقرار النصوص التشریعیة والتنظیمیة التي سھرنا على تأطیرھا لقطاع السیاحة، والھادفة إلى إیجاد نظام شفاف وعادل للتصنیف والجودة والمراقبة الحازمة،وإعادة ھیكلة وتفعیل المكتب المغربي للسیاحة ;°وھذا بموازاة مع تنویع المنتوج السیاحي والتأھیل الكمي والكیفي للموارد البشریة السیاحیة، واعتماد المنظور الجھوي التشاركي في تدبیر ھذا القطاع الحیوي.وإننا لنوءكد على حكومتنا أن تواصل بحزم وعزم لا یكلان توضیح الرؤیة الاقتصادیة للمستثمرین من خلال مجموعة من التدابیروالبرامج الملموسة التي من شأنھا التحفیز على الاستثمار المنتج، المدر لفرص الشغل، والمشاریع المحددة والقابلة للإنجاز.وبموازاة مع مواصلة تنفیذ برنامج مكافحة آثار الجفاف للسنة الثانیة على التوالي، من خلال مشاریع ملموسة للتنمیة القرویةالمندمجة، تتعامل مع ھذه الآفة كظاھرة بنیویة ; فقد واصلنا أیضا إنجاز برنامج التجھیزات الفلاحیة الكبرى، المتمثلة في بناء السدود وري الأراضي. كما أعلنا، خلال ترؤسنا للمجلس الأعلى للماء، عن سیاستنا الجدیدة التي تستھدف تحصین مكتسباتنا والتكیف مع إكراھات المحیط الطبیعي ; جاعلین ثلاثیة الأرض والإنسان والماء قوام سیاستنا الفلاحیة، وغایة العنایة الخاصة التي نحیط بھاالفلاحین، و بخاصة صغارھم الذین حرصنا على إعفائھم من قسط كبیر من الدیون المترتبة علیھم، وإعادة جدولة أداء القسط المتبقى على المدى البعید.وإننا لندعو مجددا إلى التعامل مع الماء كمادة ثمینة لا تعوض ، والنظر للأرض الصالحة للزراعة كثروة إن لم تنقص مساحتھا فإنھالن تزید، وإلى الإنسان كوسیلة وغایة للتنمیة القرویة المبنیة على تكوینھ وتحسین ظروف عیشھا وفك عزلتھا.شعبي العزیز،إن النجاح الذي عرفتھ عملیة فتح رأس مال اتصالات المغرب والتقدم الذي حققھ ھذا القطاع یحفزنا على استلھام تجربتھ من أجلوضع رؤیة استراتیجیة تتوخى إصلاح المقاولات العمومیة، وتمكینھا من ھیاكل قانونیة ومالیة عصریة وملائمة لمھامھا، وتعزیزتنافسیتھا الداخلیة والخارجیة، وفتح رأسمالھا للقطاع الخاص الوطني والأجنبي، بطریقة تمكنھا من الاستمرار في تنمیة الاقتصادالوطني، وبناء تحالفات استراتیجیة حتى تكون بمثابة رمح عولمة الاقتصاد المغربي.بید أن الانفتاح على رأس المال الخاص وطنیا كان أو أجنبیا لا یعني بأي شكل من الأشكال التخلي عن مھمة المرفق العام، الملازمة للمقاولات العمومیة ; بل یجب أن یكون ھدفھ الأسمى ھو تحسین تدبیرھا، وتقویة تدخلاتھا، وتسھیل مراقبتھا، وتمكینھا من الموارد الجدیدة، اللازمة للرفع من إنتاجیتھا وتنافسیتھا ، خدمة للمصلحة العامة.وإذا كانت عملیات الخوصصة وفتح رأسمال المقاولات العمومیة، ومنح امتیاز استغلالھا قد مكنت خزینة الدولة من مداخیل استثنائیة; فإننا ننتظر من حكومتنا استثمارھا كما ھو الشأن بالنسبة لصندوق الحسن الثاني للتنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة لخلق مزید من الثروات، بوضع مشاریع منتقاة بدقة ; مشددین على مواصلة ترشید الانفاق العام، ومحاربة كل أنواع التبذیر، والحفاظ علىالتوازنات الاقتصادیة والمالیة، المحصل علیھا بعد سنوات من التضحیات ; داعین القطاع البنكي إلى تعزیز جھود تحدیثھ، وحفزهعلى الاستثمار، وتطھیر بعض مؤسساتھ التي تواجھ بعض المشاكل، لینھض بدوره كاملا كرافعة للإقلاع الاقتصادي.ویقینا منا بأنھ مھما كانت الشروط المادیة والمالیة أساسیة لحفز الاستثمار ; فإنھا تظل رھینة بتوفر المناخ الاجتماعي السلیم،وعلاقات الشغل التعاونیة والتشاركیة ، فإننا ندعو النقابات والمقاولات والسلطات العمومیة إلى تبني ثقافة اجتماعیة جدیدة، تعتمد المواطنة والحوار الدائم، وإحلال قوة القانون محل قانون القوة، وتركز على ضمان فرص الشغل والاستثمار، لكسب رھانات العولمةوالتنافسیة ; مجددین دعوة حكومتنا إلى الإسراع بوضع النص المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي.وبدل اختزال ھذا المناخ الاجتماعي، المحفز على الاستثمار والتشغیل، في مجرد إقرار مشروع مدونة الشغل، التي یتعین حسمأمرھا، فإننا ندعو لإقرار عقد اجتماعي جدید ومتكامل، قوامھ إخراج مدونة الشغل إلى حیز التطبیق، وإعداد مشروع القانونالتنظیمي المتعلق بشروط ممارسة حق الإضراب، وإخراج التغطیة الصحیة الإجباریة إلى حیز الوجود، والتشجیع على إنشاءمؤسسات للأعمال الاجتماعیة للأجراء والموظفین، وحل النزاعات الاجتماعیة الحادة، وإصلاح الأجھزة الإداریة والقضائیة المكلفةبحل نزاعات الشغل، وانخراط رجال السلطة في حل المنازعات الاجتماعیة، طبقا للمفھوم الجدید للسلطة، وتطھیر وضعیة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتعاضدیات، واحترام التشریعات الاجتماعیة الأساسیة، وابتكار أسالیب جدیدة لتشغیل الشباب، وإعادة التأھیل لولوج سوق العمل. وكل ذلك ضمن منظور شمولي لمكافحة كل مظاھر العجز الاجتماعي، من بطالة وفقر وأمیة وإقصاء، لابوازع دیني وأخلاقي فحسب، وإنما أیضا في إطار سیاسات عمومیة تستھدف التنمیة البشریة وخلق الثروة الوطنیة، وكسب رھانمجتمع المعرفة والاتصال، الذي لا یقاس فقط بالتجھیزات والآلیات، بل كذلك بمقدار تنمیة رأس المال البشري وتأھیلھ.ومن ھنا كانت بدایة تفعیلنا للمیثاق الوطني للتربیة والتكوین بجعلھ أولویة وطنیة طیلة العشریة الحالیة، معتزمین بلوغ مقاصده النبیلة التي تسمو فرق كل اعتبار.وإذا كانت عدة أوراش قد انطلقت في ھذا المجال، فإن إصلاح نظام التربیة والتكوین یظل في حاجة إلى نفس وجرأة أكثر ; إذ ھو كلمتماسك لا یقبل التجزئة أو التطبیق الانتقائي، كما یتطلب الالتزام لا بالكم فقط، وإنما بالكیف أیضا، وبخاصة في محطاتھا الاساسیة المتمثلة في تعمیم التسجیل المدرسي والتعلیم الأولي والإصلاح الجامعي، مع خضوع إصلاح ھذا النظام للتقویم المتجرد والمستمر ; منتظرین من حكومتنا أن ترصد في میزانیة الدولة الاعتمادات الكفیلة بتطبیق مقتضیات المیثاق، وأن تخرج إلى حیز الوجود النصوص القانونیة والجبائیة القمینة بجعل الجماعات المحلیة والقطاع الخاص ینھضان بدورھما الكامل كشریكین فاعلین وجادین، ملتزمین بتحقیق الأھداف النبیلة للإصلاح.ومن منطلق العطف الخاص الذي نكنھ لأسرة التربیة والتكوین، وتحفیزا لھا على تفعیل ھذا الإصلاح الأساسي الذي یتوقف علىتعبئتھا ; فقد سھرنا على وضع الإطار القانوني وتخصیص الغلاف المالي لموءسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعیة لرجالالتربیة والتكوین، التي سنتولى تنصیب أجھزتھا المسیرة في القریب العاجل.وإننا لندعو كل الفاعلین، من سلطات عمومیة وجماعات محلیة وقطاع خاص ومجتمع مدني، أن یضاعفوا جھودھم لإنجاح مشروعالمدرسة المغربیة الجدیدة، الذي یتوقف علیھ تكوین مواطن وفي لھویتھ، موءھل لرفع تحدیات عصره.شعبي العزیز،إنھ بقدر ما كان انشغالنا بترسیخ المشروع المجتمعي على المستوى الوطني، لم یفتأ انشغالنا أیضا متواصلا لاستثمار إشعاعھالدیمقراطي، من أجل توطید السمعة الدولیة للمغرب، كقطب جھوي ودولي فاعل، وشریك مسموع الكلمة لدى الدول العظمى،ونصیر للقضایا العادلة °للدول النامیة ; ومركز إشعاع واستقرار ; حریصین على أن تظل دیبلوماسیتنا متفاعلة مع التحولاتالمتسارعة التي تطبع العلاقات الدولیة، فاعلة ضمن المنظمات الأممیة، وعاملة على تحقیق أھدافھا النبیلة في إقامة نظام عالمي عادل ومتضامن یسوده السلم والوفاق.وتأسیسا على ما للمملكة من رصید حضاري وتاریخي، وإشعاع دولي، وموقع استراتیجي، فقد عملنا على الحفاظ على ھذه المكاسب، ساھرین على أن یكون محیطنا مستقرا، وعلى الوفاء بالتزاماتنا تجاه أشقائنا وشركائنا.وھكذا، ومواصلة لسیاسة التآزر مع القارة الإفریقیة، التي تجمعنا وإیاھا روابط تاریخیة وحضاریة ودینیة، وعلاقات تضامن وحدویةراھنة ; فقد كان اھتمامنا كبیرا بدعمھا من خلال تبادل الزیارات والوفود، التي عززت علاقاتنا مع الدول الافریقیة الشقیقة، سواءعلى الصعید الثنائي أو متعدد الأطراف، وفي مقدمتھا لقاءات القمة، التي تمت، سواء باستقبالنا، أو بقیامنا بزیارات رسمیة لإخواننا الأجلاء، أصحاب الفخامة روءساء الدول الشقیقة ; للسینغال وغانا والنیجر والطوغو.وقد حرصنا على الحضور في التظاھرات الكبرى التي شھدتھا قارتنا، حیث شاركنا شخصیا في القمة الواحدة والعشرین لروءساءدول إفریقیا وفرنسا، التي انعقدت بالعاصمة الكامیرونیة، حیث دعونا بھذه المناسبة إلى الأخذ بعین الاعتبار الوضعیة الاستثنائیةالإفریقیة، والبعد الإنساني لإكراھات العولمة التي تواجھھا.وفضلا عن مساھمة المغرب في برامج التنمیة، لفائدة سبع عشرة دولة إفریقیة، فقد انتدبنا وزیرنا الأول لتمثیل جلالتنا في الدورةالثالثة لمؤتمر تجمع دول الساحل والصحراء، التي انعقدت في السودان، والتي تمیزت بانضمام بلدنا إلى ھذا التجمع، الذي نتطلع إلى أن یفتح مجالات جدیدة للتعاون الإفریقي الجاد.كما تولى بلدنا أیضا تنظیم أول قمة للسیدات الأولیات الإفریقیات، تحت رعایتنا السامیة، والرئاسة الفعلیة لصاحبة السمو الملكيالأمیرة الجلیلة للامریم. وتدخل ھذه التظاھرة، التي اعتنت بأوضاع الفتاة الإفریقیة ضمن الإعداد للقمة العالمیة للطفل، التي أنطنابشقیقنا صاحب السمو الملكي الأمیر الجلیل مولاي رشید، رئاسة لجنة وطنیة تحضیریة لھا، ضمت، علاوة على القطاعاتالحكومیة، فعالیات المجتمع المدني ; وكان لھا تحت إشراف سموھما جھود فعالة، سواء في تحضیر المغرب لھذه القمة، أو فياحتضان لقاءات وزاریة وجمعویة إفریقیة وعربیة، لضمان الاسھام الجید للمغرب وإفریقیا في ھذا الملتقى الأممي.وإن حرصنا على تمتین علاقات التضامن والتعاون مع أشقائنا بإفریقیا، لا یوازیھ إلا اھتمامنا الكبیر بعلاقاتنا مع أشقائنا في الوطنالعربي، حیث شكلت قضایا أمتنا العربیة أھمیة كبرى في انشغالاتنا وتفكیرنا، وفي مقدمتھا القضیة العادلة للشعب الفلسطیني الشقیق، مساندین، في كل مناسبة الجھود الرامیة إلى توفیر الشروط المؤدیة إلى وقف البطش الإسرائیلي بالشعب الفلسطیني الأعزل،واستئناف الحوار، قصد الوصول إلى إرساء سلام دائم وعادل، وشامل في المنطقة، وإقامة الدولة الفلسطینیة المستقلة، وعاصمتھا مدینة القدس الشریف، التي حرصنا بوصفنا رئیسا للجنة القدس، على عقد دورة خاصة لھا، وأكدنا في كل لقاءاتنا الدولیة على رفض تكریس الاحتلال الاسرائیلي لھا بالقوة، وطمس طابعھا كرمز وفضاء لتعایش الأدیان السماویة، مدعمین عمل الأجھزة المسیرةلوكالة بیت مال القدس الشریف، ومحتضنین اجتماعاتھا وأنشطتھا لمواصلة النھوض بمھمتھا في الحفاظ على ھویتھا العربیةالإسلامیة.كما حرصنا على الدعوة في القمتین العربیتین للقاھرة وعمان إلى خلق مناخ عربي جدید، یؤھل الأمة العربیة للقیام بدور مؤثروفاعل لتحقیق الأمن والسلام في المنطقة، ونبذ الخلافات، وتعزیز التعاون والتضامن العربي. وقد سعدنا، في ھذا السیاق، بلقاءأشقائنا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو من القادة الأشقاء في المملكة العربیة السعودیة، ودولة الإمارات العربیةالمتحدة،والبحرین،ولیبیا، وتونس، وسوریا، ولبنان; ساھرین على أن یوفر انعقاد دورات اللجان المشتركة مع الدول العربیة الشقیقة،وتبادل الزیارات بین كبار المسؤولین، مناسبة لمواصلة تعمیق التعاون الثنائي والعربي في مختلف المجالات.وبمبادرة من جلالتنا، أشرفنا على التوقیع على إعلان أكادیر بشأن إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر، بین مجموعة من الدول العربیة المتوسطیة، من خلال صیغ جدیدة تتلاءم مع طبیعة التوجھات الاقتصادیة المعاصرة.وعلى مستوى منظمة الموءتمر الإسلامي، كان لمملكتنا نشاط مكثف، حیث شارك المغرب في أشغال موءتمر القمة الإسلامیةالتاسعة، التي انعقدت بالدوحة، موءكدین مواقفنا المتضامنة والثابتة تجاه كافة القضایا الإسلامیة ; فضلا عن المساھمة الجادة للمغرب في كل الھیآت المتفرعة عن ھذه المنظمة، والبرامج التي تنجز تحت إشراف أمانتھا العامة التي أجمعت الدول الإسلامیة الشقیقة على استمرار تولي المغرب لھا.وعملا على توسیع آفاق التعاون بین المغرب والدول الأسیویة، فقد قمنا بزیارة رسمیة لجمھوریة الھند، ساھمت في تمتین روابطالصداقة العریقة التي تجمعنا بھذا البلد الكبیر. كما انتدبنا وزیرنا الأول للقیام بزیارة إلى كل من باكستان وإیران، موءكدین بذلكعزمنا على تعزیز علاقات المغرب بھذین البلدین الأسیویین الإسلامیین الكبیرین.أما بخصوص اتحاد المغرب العربي، الذي تتقاطع فیھ الدوائر العربیة والإسلامیة والإفریقیة والمتوسطیة لسیاستنا الخارجیة، فإنتجاوب المغرب مع المبادرات الھادفة إلى تحریك آلیات ھذا الاتحاد لا یوازیھ إلا حرصھ على أن یعرف انطلاقة جدیدة قائمة علىالواقعیة والمصداقیة، والتوجھ نحو المستقبل، موءكدین العزم على تذلیل كل العقبات التي تعوق تفعیل ھذا الاتحاد الذي نعتبره خیارا استراتیجیا.وقد عرفت علاقاتنا مع أوربا مرحلة جدیدة اتسمت بدخول اتفاق الشراكة بین المغرب والاتحاد الأوربي حیز التنفیذ، وبتأكیدنا علىمنظورنا الجدید بخصوص انبثاق ارتباط قوي بالاتحاد الأوربي، في إطار نظام شراكة متقدمة ومتطورة، تتجاوز المقاربات التقنیةوالتقلیدیة لتتسم بتوجھات ذات بعد شمولي تضامني متجدد، مثلما ألححنا على ذلك خلال زیارتنا للجمھوریة الفرنسیة الصدیقة.متوسطي تجسیدا لدورنا الحضاري في المنطقة المتوسطیة، حیث دعت « كما كان لمملكتنا دور فاعل في تنشیط التعاون الأورودیبلوماسیتنا في كل المناسبات إلى ضرورة البحث عن أسلوب جدید یمكن المنطقة المتوسطیة من السیر نحو فضاء یسوده السلم والازدھار في إطار احترام ثقافات وقیم كل الأطراف.ومن نفس المنظور نسعى جادین إلى العمل مع الإدارة الأمریكیة الجدیدة، من أجل زیادة توطید علاقات الصداقة التاریخیة والتعاونالمثمر، التي تجمع بلدینا الصدیقین. كما نعمل على توسیع ءافاق التعاون والتضامن، بین المغرب ودول أمریكا اللاتینیة، التي نتقاسم وإیاھا نفس الانشغالات التنمویة والحضاریة.وقد أولینا عنایة خاصة، سواء على مستوى سیاستنا الداخلیة أو في لقاءاتنا الدولیة وعمل دیبلوماسیتنا، لقضایا جالیاتنا بالخارج، التي سھرنا، من منطلق ما نكنھ لھا من سابغ الرعایة وموصول العنایة، على وضع منظور جدید لمقاربة قضایاھا.شعبي العزیز،إن مخاطبتنا لك في ھذا الیوم الأغر تتیح لنا الإعراب لك عما یغمرنا من سعادة ورضى وتأثر عمیق بما یجیش بھ قلبك من مشاعرولائك ووفائك لجلالتنا،ملتفا حول عرشنا، واثقا من تفانینا في خدمتك وإخلاصنا في العمل، متفقدین لمیادین أحوالك في كل أرجاءالمملكة، عازمین على تحقیق الإصلاحات الأساسیة التي من شأنھا استكمال إنجاز المشروع المجتمعي الدیمقراطي، بمشاركة كل فئاتك وموءسساتك، وبجمیع سواعد أبنائك وطاقاتك،مرحلة مرحلة، ولبنة لبنة، لتحقیق مطامحك على درب التقدم والبناء،وضمانوحدتك وسیادتك، مستنھضین عزمك على التعبئة الشاملة والانخراط الفعلي في معركة الجھاد الاقتصادي والاجتماعي، الذي نخوض غماره، والتحلي في ھذا الجھاد بأفضل سلاح، وھو الإیمان بالقیم التي یملیھا دینك، وتقتضیھا وطنیتك.وننتھز ھذه المناسبة الخالدة لاستحضار ذكرى الملاحم التاریخیة التي خاضھا أسلافنا المنعمون وأبطالنا المجاھدون، والترحم علىأرواحھم، وفي مقدمتھم جدنا بطل التحریر جلالة الملك محمد الخامس ، ووالدنا باني المغرب الحدیث جلالة الملك الحسن الثاني قدس لله روحیھما، وكذا أرواح شھداء المقاومة والتحریر. كما نذكر باعتزاز في ھذه المناسبة الوطنیة الكبرى صمود قواتنا المسلحةالملكیة، وقوات الأمن والدرك والقوات المساعدة ورجال الوقایة المدنیة، مجددین التنویھ بھا والإشادة بأعمالھا وتفانیھا في خدمةالوطن والمواطنین، وبخاصة منھا تلك التي ترابط في جنوبي المغرب، ساھرة على أمنھ واستقراره، أو تلك التي بعثنا بھا إلى جھات من إفریقیا وأوربا للمشاركة في الأعمال الإنسانیة النبیلة، التي تقتضیھا تقالید المغرب، في النجدة والمساعدة ودعم السلام.والله نسأل أن یشد أزرنا بشعبنا، ویسدد خطانا، ویكلل بالنجاح والتوفیق مسعانا، لتحقیق ما نبتغیھ من نبیل المقاصد وصالح الأعمال،وقل رب أدخلني »» وأن یبقي الوشائج التي تشد بعضنا إلى بعض عروة وثقى،لا انفصام لھا، وأن یصل صدق أقوالنا بصدق أفعالناصدق الله العظیم. »» مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصیراوالسلام علیكم ورحمة الله تعالى وبركاتھ ".