"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله ؤاله وصحبهحضرات السيدات والسادة..إنه لمن دواعي سعادتنا أن نخاطبكم في افتتاح أشغال الدورة الثانية السنوية للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب مرحبين بكافة المشاركين فيها من منطلق اعتزازنا بالانتماء لأسرة الحق والقانون ومن مبدأ ما نوليه من تقدير خاص لهيئة المحامين الذين يتقاسمون وأسرة القضاء أمانة إقامة العدل الذي جعلناه أساس مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي ومبتغاه.وسيرا على النهج القويم لوالدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه أبينا إلا أن نخص جمعكم المبارك هذا بسامي رعايتنا تكريما وإشادة منا باتحاد المحامين العرب هذه المؤسسة الحقوقية العربية العريقة التي نهضت بدور طلائعي في معركة التحرير والديمقراطية وساهمت بشكل رائد وجدي وفعال على مدى أكثر من نصف قرن في النضال من أجل ترسيخ مبادىء دولة الحق والقانون وحماية حقوق الإنسان وصيانة المبادىء السامية لمهنة المحاماة فضلا عن مساندتها لكل توجه وحدوي عربي ونبذها للتجزئة والانفصال مع حرصها على الدعم الفاعل للقضايا المصيرية للأمة العربية وفي مقدمتها الكفاح العادل للشعب الفلسطيني من أجل استرجاع حقوقه المشروعة.وما إطلاقكم إسم "دورة القدس" على هذا الملتقى الهام إلا دليل على تضامنكم مع انتفاضة الأقصى التي ما فتئنا نعمل بصفتنا رئيسا للجنة القدس الشريف على تعبئة كل الطاقات وبذل كل الجهود واتخاذ كل المبادرات لنصرتها في جهادها المستميت من أجل الدفاع عن حرمات أولى القبلتين وثالث الحرمين وتحرير فلسطين من براثن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.إنكم وأنتم تشاطرون الأمة العربية شرف النضال في سبيل دعم انتفاضة الأقصى لتدركون مدى فعالية سلاحكم ألا وهو سلاح الحق والقانون والشرعية والعدل والإنصاف في وقف ما ترتكبه ءالة الحرب الإسرائيلية من تقتيل للشعب الفلسطيني الأعزل.وبحكم ما أصبح لصون حقوق الإنسان وللمنظمات الوطنية والدولية غير الحكومية وللرأي العام الداخلي والخارجي من نفوذ وازن في عمليات صنع القرار فإننا نهيب بكم لمضاعفة الجهود قصد توظيف هذه الآليات المؤثرة والأساسية في العلاقات الدولية المعاصرة من أجل حشد التأييد العالمي للحق العربي في القدس المكلومة التي يجسد كفاحها المشروع شعار اتحادكم النبيل.. الحق والعروبة وترجيح خيار السلم والحوار والشرعية الذي نحن متشبتون به على ركوب ءالة الحرب وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح.حضرات السيدات والسادة..إن موقفكم الثابت من مساندة الحق الفلسطيني لم ينبع من مجرد الانتماء القومي ومناصرة قضاياه فحسب ولكنه يصدر بالأساس عن الوعي بالطابع الكوني لرسالة المحامي القائمة على صيانة الكرامة الإنسانية وحماية قيم العدل والإنصاف والذود عن الحريات العامة الفردية والجماعية كما أنه نابع من الإيمان بأن المحاماة رسالة إنسانية نبيلة وضرورية في أي مجتمع مستمدة سموها ونبلها من إحقاق الحق ورفع المظالم ومساعدة العدالة على بلوغ هذه المقاصد العليا.واعتبارا لهذه المبادىء السامية للمحاماة كرست القوانين الداخلية والمواثيق الدولية مبدأ الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة تأكيدا للرسالة الكونية للمحاماة.كما ارتبطت قيم هذه المهنة الشريفة بالمصلحة العامة نظرا لمساهمتها الفعالة في تحقيق العدالة عن طريق تسهيل ممارسة الجميع لحق الولوج إلى ميدان القانون والقضاء هذا فضلا عن حمولتها السياسية القوية المتمثلة في سعي المحامين الدائم لإقرار أسس عدالة نزيهة ومستقلة بالنظر لما للعدالة بهذا المفهوم من ارتباط جوهري بدولة الحق والقانون ولما لها أيضا من تأثير حاسم في ترسيخ دعائم المجتمع الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان بما يحمله ذلك من انعكاس إيجابي على الاستقرار السياسي وتوفير المناخ السليم المحفز للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.لقد أصبحت مهنة المحاماة في المجتمع الديمقراطي الحديث تحتل مكانة متميزة بالنظر للدور المحوري للمحامي في تحقيق العدل والدفاع عن دولة الحق والقانون. لكن بقدر تعاظم هذه المكانة المحورية للمحاماة بقدر ما تتنامى تحديات مهنية داخلية وخارجية من شأنها أن تخل بنهوض المحامي بدوره الأساسي في إنارة الطريق أمام القضاء لتحقيق العدالة المنشودة.وإن من أكبر المعوقات المهنية الداخلية التي تؤثر سلبا على المحاماة ما يعرفه الواقع من مساس بأخلاقياتها وقيمها وتغليب الاعتبارات المادية على مبادئها الإنسانية السامية وهو ما يؤدي إلى الإخلال بالواجبات التي تفرضها المهنة على المحامي. فهذه الشوائب لا تمس بقدسية مهنة المحاماة فقط بل وتلقي بظلالها السلبية على الحماية القانونية المطلوب توفيرها لعموم المتقاضين هذه الحماية التي يعد ضمانها جوهر عمل المحامي ورسالته في ءان واحد.أما بالنسبة للمعوقات الخارجية فيكفي التذكير بما تتعرض له المحاماة من تحديات ترمي إلى الخروج بها إلى مجال الخدمات التجارية وإخضاعها لمنطق السوق وجرها إلى حلبة المنافسة الدولية مما يمس بهويتها الأصيلة. وما ذلك إلا نتيجة للتطورات الاقتصادية العالمية المتسارعة والأبعاد الدولية التي أصبح يتخذها القانون خاصة عن طريق الاتفاقيات الدولية التي تهم قانون الأعمال والجرائم الاقتصادية والبيئة والتقنيات الحديثة للاتصال والتطور المتسارع في مجال البيولوجيا وغيرها من العلوم مما يفرض على المحامي أن يكون على إلمام واسع بالمجال الذي يتدخل فيه ويقدم خدمة قانونية على مستوى عال من الأداء تحت طائلة مسؤوليته المهنية.ونتيجة لهذه التحديات فإن المحاماة توجد اليوم في موقع دفاع حتى لا تفقد قواعدها وتقاليدها وأعرافها وثقة من يلجأ إليها. ولن يتسنى رفع تلكم التحديات إلا بالعمل على إصلاح وهيكلة المهنة وفق تنظيم حديث ومتطور يحافظ للمحاماة على استقلالها وحرمتها ويضمن في نفس الوقت تطورها وتكيفها مع المتطلبات المستجدة.كما أن كسب هذا الرهان الحيوي لن يتم إلا بتأمين الضمانات الأخلاقية للمهنة وأعرافها الأصيلة الملزمة والعمل على الرفع من مؤهلات ومستوى أداء المحامي لرسالته لا ليكون أكثر دراية بالمجال القانوني فقط ولكن ليكون أيضا فعالا في ممارسته متحكما في التقنيات الحديثة للمعرفة والاتصال متفتحا على الثقافة الإنسانية ملما بالأساليب المبتكرة في ميدان التسيير والتدبير لأن كل تفريط في هذه المقومات من شأنه أن يرهن حرية المحامي واستقلاله والحال أن هذين الشرطين هما قوام رسالته وضمان نجاحه في مهمته.ونحن إذ نعرب عن تنويهنا باستضافة زملائكم المحامين المغاربة لهذه الدورة وباستشعارهم ومشاركتهم الواعية في هذا التوجه الذي نقوده اليوم من أجل بناء مجتمع ديمقراطي حداثي لنؤكد ثقتنا في أن كافة المحامين العرب قادرون على النهوض بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم ورفع كل التحديات التي تحملها طلائع الألفية الثالثة مثلما رفعوا تحديات القرن الذي نودعه بما هو معهود فيهم من غيرة على قيم الحق والعدل وروية وسداد في الرأي وعمل دؤوب ومشترك مع أسرة القضاء على دعم التنمية والديمقراطية وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون وستجدون في جلالتنا وفي المملكة المغربية خير سند لكم في تحقيق هذه المقاصد السامية.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".